قراءة في كتاب جدد حياتك -13

Tuesday, October 25, 2011


وابتغاء العظة المجردة وحدها يصح أن نلتفت إلى الوراء . أما العودة إلى الأمس القريب أو البعيد لنجدد حزنا ٬ أو ننكأ جرحا ٬ أو ندور حول مأساة حزَّت فى نفوسنا لنقول: ` ليت ٬ ولو ` فإن هذا ما يكرهه الإسلام وينفر من التردى فيه ٬ بل إن هذا كان ديدن الحيارى والمترددين من المنافقين ومرضى القلوب:

"يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم” . “الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين “ .

وهذه التأوهات المنكسرة ٬ والتحسرات المفجوعة سيطرت على ضعفاء الإيمان بعد غزوة “أحد” ٬ فإن الخسائر التى أصابت أهل المدينة بعد هجوم المشركين عليها خلفت آثارا غائرة ٬ وفتحت أمام الحاقدين على الإسلام ثغرات للتشفى واللمز. لكن الله عز وجل أنزل آيات مفصلة فى مداواة هذه الجراح ولم شمل المسلمين عقب النكبة التى أصابتهم ٬ فكان من تأديبه لهم أن علق عيونهم بالمستقبل ٬ وصرف أذهانهم عن الماضى ٬ وزجرهم عن الوقوف بأطلال الأمس يبكون ويولولون.

لا ٬ ليست هذه شيمة الرجولة ٬ ولا منطق الإيمان ٬ يجب أن نتعرف سر الخطأ لنتقيه فى المستقبل ٬ ولن ننظر فيما وقع إلا بمقدار ما نستخلص العبرة منه ٬ وذاك ما تكفل به القرآن الكريم ٬ فقد أشار إلى علة الهزيمة فى إيجاز :

“حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون “ . “إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم. “

ثم واساهم بما يهون وقع الألم عليهم ٬ فإن الألم إذا قيد النفوس بسلاسله الغلاظ ربطها فى زمن يتحرك ٬ فلم تحسن شيئا ٬ ولم تكسب خيرا. ما قيمة لطم الخدود ٬ وشق الجيوب على حظ فات أو غرم ناب؟.

ما قيمة أن ينجذب المرء بأفكاره ومشاعره إلى حدث طواه الزمن ليزيد ألمه حرقة وقلبه لذعا؟! لو أن أيدينا يمكنها أن تمتد إلى الماضى لتمسك حوادثه المدبرة ٬ فتغير منها ما تكره ٬ وتحورها على ما تحب؟ لكانت العودة إلى الماضى واجبة ٬ ولهرعنا جميعا إليه ٬ نمحو ما ندمنا على فعله ٬ ونضاعف ما قلت أنصبتنا منه . أما وذلك مستحيل فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف من أيام وليال ٬ ففيها وحدها العوض .

إن المرء ليس متهما فى حرصه على مصلحته ٬ فإذا ضاعت هذه المصلحة لسبب ما ٬ خصوصا تلك التى تتصل بالآجال والأرزاق ٬ فلنجعل من إيماننا بالله وقدره ما يحجزنا عن التعلق بالأوهام والحماقات . وهذا ما نبه إليه القرآن الكريم بعد “أحد”؟ قال للباكين على القتلى ٬ النادمين على الخروج للميدان: لو بقيتم فى بيوتكم ما طالت لكم حياة ولا امتد أجل: “لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم “ . فعلام هذا النعيب المسحوق؟

0 تعليقاتكم:

Post a Comment